تملك ألمانيا تاريخاً عريقاً في كرة القدم وتعتبر من أنجح الدول في عالم المستديرية، حيث سبق لها التتويج بأربعة ألقاب في كأس العالم FIFA وبثلاث بطولات أوروبية. وبدأ الألمان بمداعبة الكرة منذ قرون. غير أن تاريخ كرة القدم هو أقدم بكثير من تاريخ ظهورها في ألمانيا، حيث كانت اللعبة تنتشر أيضاً في الحضارة الإغريقية والرومانية و كان الجميع يطلق علي هذا الإبتكار، الذي يصفه الكثيرون بأنه "أهم ابتكار في تاريخ البشرية"، إسم الكرة، أو كرة القدم. و يرجع البعض تاريخ كرة القدم أيضاً إلى العصري الحجري، حيث كان الناس يلعبون الكرة بالحجارة أو بالعظام. كما اعتاد الصينيون منذ ثلاثة آلاف عام على اللعب بكرة محشوة بالشعر والريش ومصنوعة من جلد الحيوانات. وكانوا يطلقون على هذه اللعبة، التي تعتبر نسخة سابقة من كرة القدم الحديثة، إسم تسو تشو. أما في ألمانيا فلم تظهر كرة القدم إلا في عام 1874 وبالتحديد في 29 سيبتمبر/أيلول تاريخ إجراء أول مباراة في كرة القدم على الأراضي الألمانية. ويرجع الفضل في ذلك إلى الأستاذ كونراد كوخ الذي عاش فترة طويلة في إنجلترا قبل أن يعود إلى ألمانيا ويعمل في إحدى ثانويات مدينة براونشفيج.
النشاط والصفاء والبهجة والحرية
يعتبر كوخ أول شخص يُدخل لعبة كرة القدم إلى المدارس الألمانية كما أنه أول من أسس فريقاً مدرسياً لكرة القدم. في البداية كانت تمارس اللعبة بكرة الرجبي بل وكان يسمح في بعض الأحيان بالتقاطها باليد دون احتساب خطأ. بعد ذلك بدأ المشرفون على اللعبة يتبعون القواعد التي يفرضها الإتحاد الانجليزي لكرة القدم، وبذلك تم منع "حمل الكرة باليد" قبل أن تضاف قواعد جديدة مثل احتساب ضربات الخطأ وركلات الجزاء.
بعد مرور عام على أول مباراة، وضع كوخ القواعد الأولى لكرة القدم باللغة الألمانية والتي تنص على ما يلي "مهمة كل لاعب أن يسدد الكرة فوق مرمى الخصم". وكانت هذه القاعدة تحمل أيضاً شعار مؤسس الجمباز في ألمانيا، فريدريش لودفيج جان وهو "النشاط والصفاء والبهجة والحرية". وبذلك كان يُنظر إلى اللعبة على أنها جزء من رياضة الجمباز وليست بديلاً عنها.
غير أن اتحاد أساتذة الجمباز اعترض كثيراً على اللعبة الجديدة ووصفها بـ "المرض الإنجليزي". لكن ذلك لم ينقص من عزيمة كوخ، بل زاده إصراراً على ترجمة المصطلحات الخاصة بكرة القدم إلى الألمانية لترسيخها أكثر داخل المجتمع الألماني. واستخدم الكثير من المفردات العسكرية التي لازالت تستعمل لحد الآن في كرة القدم الألمانية، مثل الدفاع والهجوم والعقوبة والإعتداء وغيرها من المصطلحات.
العمل الجماعي هو سبيل النجاح
وضع كوخ أيضاً خطة للعب لا يمكن تصورها في يومنا هذا. وتعتمد هذه الخطة على خمسة مهاجمين ومدافعين وثلاثة لاعبين في الوسط. وهو أسلوب لعب هجومي بامتياز. وبغض النظر عن قواعد اللعب التي كانت سائدة في ذلك الوقت، فإن رواد هذه اللعبة كانوا مقتنعين بدور كرة القدم في توحيد شرائح المجتمع المختلفة. فسواء تعلق الأمر بغني أو فقير أوذكي أو أقل ذكاء فإن الجميع يلعب ضمن فريق واحد. وفقط بالأداء الجماعي يمكن بلوغ النجاح.
واجه كوخ في البداية صعوبات في إقناع الناس بجدوى كرة القدم. فقد كان التلاميذ والمعلمون يمنعون من ممارسة كرة القدم. لكن مع مرور الوقت بدأت جهود كوخ تعطي ثمارها، ليتأسس أول فريق لكرة القدم في هانوفر وبريمن وبعدها بدأت كرة القدم تنتشر في جميع أرجاء ألمانيا.
غير أن الغريب هو أن كوخ لم يكن من كبار مشجعي كرة القدم، فقد كان ينتقد اللعب بالقمصان الملونة، ومواجهة أندية أجنبية والتدريب، كما أنه كان ضد المتابعة الجماهيرية الكبيرة للمباريات وكان يعارض الإحتراف.
140 عاماً على البداية
بدأ بنزيمان الإهتمام بالإحتراف في ألمانيا بعد أن أدرك الجانب التجاري لكرة القدم. ويعتبر بنزيمان من بين المؤسسين الأوائل للإتحاد الألماني لكرة القدم عام 1900. وبعد هذا التاريخ بقليل أسس صحيفة كيكر المختصة في كرة القدم والتي لا زالت تحظى بشعبية كبيرة في ألمانيا حتى يومنا هذا.
بعد ذلك حدث ما لا يخفى على أحد، حيث تحولت كرة القدم إلى رياضة شعبية وأنجبت ألمانيا لاعبين كبار. ومنذ تتويج المانشفات بكأس العالم FIFA في "معجزة برن" عام 1954 أصبح المنتخب الألماني يُضرب له ألف حساب.
مرت الآن 140 سنة على أول مباراة لكرة القدم في ألمانيا. وبالرغم من أن لا أحد يمكنه التنبؤ بما سيحمله المستقبل البعيد من تطورات، إلا أن الأكيد أن المستديرة ستظل تلعب دوراً هاماً في بلد الشعراء والمفكرين.