.

.

خبر عاجل

    09:07 AM
» » نهاية نظام «الدولة العربية القُطرية» بقلم "أحمد منصور"



كانت معظم الدول العربية حتى الحرب العالمية الأولى تنضوي تحت لواء الخلافة العثمانية التي ورثت أنظمة حكم أخرى مشابهة بدأت في أعقاب حكم الخلافة الراشدة الذي كان أول توافق بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على شكل نظام الحكم في الإسلام الذي انتهى بقتل الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم قامت بعده الدولة الأموية ثم العباسية وغيرها حتى وصل الأمر للدولة العثمانية التي أسسها عثمان الأول في 1281 للميلاد وانتهت مع محمد السادس في 1922.

ومع ضعف الخلافة العثمانية التي كانت المظلة السياسية لكثير من الدول العربية والإسلامية وبداية تآكلها في القرن التاسع عشر وانشغال الخلفاء بمظاهر الحياة والقصور الفخمة والوقوع في براثن الديون والمؤامرات، قويت شوكة الدول الغربية التي بدأت في قضم أجزاء من دول الخلافة العثمانية الواحدة بعد الأخرى، ووزعت نفوذها واحتلالها في ما بينها لكن كانت كل من بريطانيا وفرنسا لهما النصيب الأكبر حيث قاما بمصادقة الإمبراطورية الروسية إلى البدء في مباحثات سرية بينهما لتقسيم تركة «الرجل المريض» وهذا هو الوصف الذي كان يطلق على الدولة العثمانية.

بدأت المباحثات بين كل من الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مايكل سايكس في نوفمبر عام 1915 واستمرت بينهما حتى شهر مايو من العام 1916 حيث تم الكشف عن هذه الاتفاقية السرية بعد سقوط الإمبراطورية الروسية ووصول الشيوعيين إلي سدة الحكم في روسيا في العام 1917 ورغم ما أثاره الكشف عن هذه الوثيقة من غضب لدى الشعوب العربية التي مستها، إلا أن ذلك لم يمنع من تنفيذها فقد تم تقسيم بلاد الشام والهلال الخصيب والخليج بين كل من بريطانيا وفرنسا لكن اتفاق سان ريمو الذي عقد في العام 1920 هو الذي أقر تنفيذ الاتفاقية التي كانت بداية لولادة الدولة القطرية العربية بالشكل الذي عرفت فيه بعد ذلك والذي أخذ يتبلور شيئا فشيئا بين الحربين الأولى والثانية ثم وقعت تقسيمات أخرى بعد الحرب العالمية الثانية.

ومع ظهور الروح الوطنية والنزعة للاستقلال لدى كثير من شعوب المنطقة ودخول الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى كشريك أساسي في صناعة القرارات في المنطقة وكما ورثت كل من بريطانيا وفرنسا الرجل التركي المريض في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى ورثت الولايات المتحدة كلا من فرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت بريطانيا قد سعت لتكريس نفوذها على الدولة القطرية العربية فأنشأت في أعقاب الحرب العالمية الثانية جامعة الدول العربية كمظلة للدول التي تعمل تحت نفوذها.

بقيت الأنظمة العربية التي سمحت الدول الغربية بقيامها بعد الحرب العالمية الثانية والجامعة العربية التي أسستها بريطانيا هي الأوعية السياسية للحكم في المنطقة وهذا وحده كفيل بتفسير الدخول مع إسرائيل في عدة حروب عبارة عن هزائم والحرب الوحيدة التي كان ظاهرها أنها انتصار وهي حرب العام 1973 كانت كما قال عنها السادات كانت حربا للتحريك.

ولم تكن حربا للتحرير وتحولت نتائجها إلي تحييد أكبر جيش عربي وهو الجيش المصري وتحوله إلي حام لإسرائيل وليس خطرا عليها، من ثم فإن أمن إسرائيل بل وتفوقها مع مكلمات وأصوات عالية من أنظمة عربية كان هو السائد طوال ما يقرب من خمسين عاما من نظام الدولة العربية القطرية التي أسست بعد الحرب العالمية الثانية، غير أن هذا لم يعد كافيا للولايات المتحدة التي أصبح لها اليد الطولى في المنطقة والعالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والإعلان عن تفككه رسميا في 25 ديسمبر من العام 1991.

فانتشرت في الغرب الدراسات والمقالات التي تبحث عن عدو جديد وانتشر الكلام عن «الخطر الأخضر» كتوصيف للخطر الإسلامي علي الغرب، حيث تقوم ثقافة الغرب على صناعة الأعداء إن لم يكن لهم أعداء وعلى إشعال نار الحروب إن لم يكن هناك حروب حتى تبقى مصانع السلاح التي تشكل حجما هائلا في دورة الاقتصاد الأميركي والغربي تعمل ولا تتوقف، وتم تضخيم الخطر الإسلامي علي الولايات المتحدة والغرب بعد سنوات قليلة من دعم الولايات المتحدة للجهاد الإسلامي ضد السوفيات في أفغانستان بل وتشجيع حلفائها في العالم العربي على السماح للشباب بالتوافد على الجهاد في أفغانستان ومد المجاهدين بالأسلحة المتطورة من أجل إسقاط العدو السوفياتي.

فجأة أصبح هؤلاء الذين كانت تشجعهم الولايات المتحدة على الجهاد في أفغانستان وتقوم حكوماتهم بدعمهم بالتذاكر والرواتب هم الأعداء الجدد، وبدأت ملاحقة المجاهدين العرب في دولهم وفي كل الدول التي يلجؤون إليها، ولم يعد نظام الدولة العربية القطرية مناسبا للولايات المتحدة والدول الغربية لاسيما بعدما تأكد أن التهديدات الديمغرافية وتنامي المشاعر الوطنية في الدول العربية وتصاعد روح الجهاد والمقاومة ضد إسرائيل وقيام حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تتبنى الجهاد المسلح ضد إسرائيل بعدما دخلت الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها منظمة التحرير في لعبة المفاوضات السياسية وأوسلو ما بعدها يهدد الكيان الإسرائيلي الذي أنشأه الغرب على أطلال فلسطين، وبعدما أغوت الولايات المتحدة صدام حسين بالدخول في حرب مع إيران استمرت ثماني سنوات حصدت الأخضر واليابس قرروا التخلص ليس من صدام حسين ولكن من العراق الذي كان يمثل قوة عسكرية تهدد الكيان الصهيوني ي بل والمصالح الغربية.

كانت سنوات التسعينيات من القرن الماضي سنوات الترتيب لتفكيك الدولة العربية القطرية؛ حيث تم توجيه ضربات قاصمة لجيش العراق، كما تم حصار العراق بشكل يسمح بانهياره وتفكيكه وتم استثناء كردستان من الحصار، ولاحظت الولايات المتحدة أن كل ذلك لم يؤد لانهيار النظام؛ فقررت إنهاءه بشكل مباشر عبر حرب مباشرة واحتلال.

وقد لاحظ الغرب خلال سنوات ترتيب التفكيك ودراسته للمنطقة العربية أن العالم العربي من شرقه إلى غربه وفي ظل كل الأنظمة والدول التي قامت منذ الدولة الأولى في المدينة وحتى سقوط الدولة العثمانية كآخر غطاء جامع للدول العربية مع غيرها من الدول الإسلامية في ظل نظام الخلافة الإسلامية، لاحظ أن هذا الكيان الكبير قد حوى تحت ظلاله كثيراً من الملل والنحل والطوائف والأعراق، وأن هؤلاء عاشوا ما يقرب من ألف وخمسمائة عام في ظل النظام الإسلامي كجزء من بنائه لم يطردهم أحد من بلادهم ولم يجبرهم أحد على تغيير دينهم أو يضيق عليهم أحد في عباداتهم، بل إن كثيرًا منهم احتلوا المناصب والمواقع دون أن ينال منهم أحد واعتبروا أنفسهم جزءاً من هذا النسيج، فكان هذا هو المدخل الذي حاول ويحاول الغرب من خلاله تفكيك الدولة القطرية العربية بعدما نجح قبل ما يقرب من مائة عام في تفكيك الكيان الجامع لهؤلاء عبر إنهاء وجود الإمبراطورية العثمانية واتفاقية سايكس بيكو 1916 ومؤتمر سان ريمو 1922، ولم تكن البداية في التلاعب بالطوائف والأعراق والأديان في المنطقة خلال العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين ولكنها بدأت مع بداية نظام الدولة القُطرية العربية؛ فقد اعتمد الغرب على الأقليات والطوائف سواء في تأسيس الجيوش أو الحركات الفكرية الضيقة مثل القومية العربية وغيرها، وكان أول قرار قام به الأميركان بعد احتلالهم العراق وتدمير الجيش وبنية الدولة هو المحاصصة الطائفية، فظهرت النزعات التي لم يكن لها وجود طيلة قرون وكان هذا الأمر قد تم تجربته علي نطاق ضيق في بقعة أخرى تنتشر فيها الملل والنحل هي لبنان من خلال الحرب الأهلية وما بعدها، لكن العراق الذي كان يعتبر جيشه من أقوى الجيوش العربية ودولته من الدول الكبرى التي كانت تعتبرها إسرائيل مهددًا رئيسيًا لها، كان تفكيكها وتدميرها وإشعال نار الطائفية بها أحد الأهداف الأساسية من وراء الاحتلال الأميركي لها عام 2003، في نفس الوقت كان الترتيب لتقسيم السودان يجري على قدم وساق، بينما كانت الخلافات تشتعل بين الدول العربية، حتى جاءت الثورات العربية بداية العام 2011 ومن الواضح أن هذه الثورات المتتالية أربكت النظام الغربي برمته بشكل كبير، وأرسلت الولايات المتحدة والدول الغربية الآلاف من الخبراء والمحللين إلى المنطقة للتعرف على حقيقة ما جرى وكيفية احتوائه، وحينما تأكدت الولايات المتحدة والدول الغربية أن الثورات توقفت عند حد إزالة الحكام وعاد الثوار إلي بيوتهم لاسيما في مصر وتونس بينما بقيت الأنظمة تدير الدول كما هي تم احتواء الموقف بشكل كبير وتم استخراج الدراسات التي أعدت طوال عقود عن كيفية تفكيك الدول العربية إلى دويلات حتى تبقى إسرائيل وتبقى مصالح الغرب المرتبطة بالمنطقة قائمة ولا يسمح بقيام أي نظام عربي مستقل أو يكون بداية لانسلاخ المنطقة عن الهيمنة الغربية، ورغم عدم استعداد الإخوان المسلمين أو إعدادهم للحكم تم «توريطهم» في حكم مصر وأقول «توريط» بفم ملآن من أجل التخلص منهم أو على الأقل إجهاض قوتهم وإعادتهم إلى مربع الصفر مربع السجون والمعتقلات والحظر والمصادرات وغيرها، وسقط الإخوان في الفخ وعادت أميركا إلى سياسة الانقلابات العسكرية التي جاءت بالسيسي رئيسًا لمصر.

المصدر: الوطن القطرية

عن المدون Unknown

مدون تونسي مهتم بكل ماهو جديد
»
السابق
13 عاما على إستشهاد الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى.
«
التالي
"الضيف" يجمّد قراراته ويرفع حظر الطيران عن "بن غوريون".
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد